لا أستطيع بالامكانات المتوافرة لديّ إيصال ما أرغب فيه إلى رئيس دولتكم ولا إلى مجلس وزرائكم أو رئيس برلمانكم وأعضائه الموقرين. ولكنني أعلم أنكم تتمتعون بشرف تمثيل دولتكم في هذا البلد العزيز وإنكم بصفتكم تمثلون كل تلك الشخصيات التي نكنُّ لها كل تقدير واحترام، لذا أكتب إليكم آملاً أن تسمعوني وتوصلوا صوتي إلى رؤسائكم وشعوبكم الأعزاء.

قوس النصر في العاصمة الفرنسية باريس

   أصحاب السعادة سفراء أعضاء دول الإتحاد الأوروبي، كما تعلمون أن الثالث من أكتوبر تشرين الأول هو الموعد المحدَّد لمناقشة إجراءات إنضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي، فتصبح عند قبولها عضواً وجزءاً من تلك المنظومة العملاقة المتحضرة القوية وتتمتع بكل المزايا والعظمة التي يتمتع بها أعضاؤها، أي انها تصبح في وضعية غير الوضعية التي هي فيها الآن أي أن تكون محمية ومحصنة أكثر مما هي عليه الآن.

لكنَّني أريد أن أؤكد بكل إخلاص أنَّني كأحد الأرمن أريد الخير كل الخير لتركيا وللشعب التركي الجار الغربي الكبير لوطننا، وأنا أعي تماماً معنى المثل القائل «إذا كان جارك بخير فأنت بخير»، كما أعرف أيضاً ما يجلبه حسن الجوار من محاسن وفوائد على صعد الاقتصاد والأمن والأمان والرفاهية بوجه عام. وإننا نتطلع إلى علاقات جوار طبيعية وممتازة على كل الصعد مع تركيا: واسمحوا لي بأن أعود إلى موضوع وضعية تركيا وحصانتها بعد دخولها الإتحاد الأوروبي، وهو ما يقلقني بل يرعبني ويرعب كل فرد من أفراد شعبي.

السادة السفراء، إننا نسعى جاهدين، وعلى كافة المستويات وقوانا الرسمية والشعبية أن نحصل على الإعتراف الرسمي بالمجازر التي تعرضنا لها وبالإهانات التي تعرضت لها كرامتنا على يد الأتراك العثمانيين، وما تلاها من أنظمة مارست بطشاً لم تعرفه أوروبا والشرق الأوسط ولم يعانيا مثله أبداً في بداية القرن العشرين. ورغم حصولنا على الكثير من الإعتراف والتأييد في المحافل الدولية وعلى مستوى برلمانات دول كبيرة وصغيرة، ورغم مئات بل آلاف المستندات التي تؤكد تلك المذابح ومنها الأرشيف التركي نفسه، نعم، رغم كل تلك الحقائق لم نستطع الحصول على الإعتراف التركي ولم تستطع جميع الدول المتحضِّرة إقناع النظام التركي بالتصالح مع ماضيه والتحلي بالشجاعة والشهامة الكافية للإعتراف بالذنب الذي ارتكبه حكامه. إذاً قل لي يا سعادة السفير من فضلك، كيف سيكون حالنا حينذاك بعد دخول تركيا الإتحاد الأوروبي ؟ يا لها من كارثة ستحل بنا وبقضيتنا. كيف سنحصل على حقوقنا الأصلية المهدورة ؟ لمن نشكو وممن نطلب المساعدة ؟ نحن شعب صغير تشتت أفراده في أصقاع العالم مثل سرب الطيور الذي تعرض لهجمة الصقور. بلدنا محاط ببلدان بعضها يكنُّ العداء لنا لأسباب عرقية وتوسعية. ليست لنا مصادر دخل وفيرة، بل على «قد الحال». وفوق كل هذا أغلقت تركيا منفذ حدودها معنا وهو المعبر الأساسي لبلدنا إلى العالم الخارجي وفرض الحصار وضيَّق الخناق علينا يوماً بعد يوم لأسباب عدائية وللضغط ليس إلاَّ. إذاً من يساعدنا على اجتياز السياج العالي المحيط بالحكومة التركية والذي سيرتفع أكثر بعد انضمامها إلى الإتحاد والإحتماء خلفه. (كما هو معروف بأن عدو صديقك عدوك، وحيث إنَّ تركيا تعتبرنا عدواً لها إذاً ستعتبروننا أنتم أيضاً عدواً لكم، لأن تركيا أصبحت صديقتكم:) يا لها من معضلة !.

أصحاب السعادة السفراء، ما أرغب في طلبه من دولكم مساعدة تركيا على الإنضمام إلى اتحادكم إذا لم يكن لديكم مانع في ما يخصكم أو يخص المجتمع الدولي، ولكن ليس قبل الإعتراف (فيما يخصنا) بما حل بنا بسببهم وما زال مستمراً، وبسبب تعنتهم المتغطرس الهدَّام في تعاملهم مع الشعوب الأخرى أيضاً. ولعدم سمو مفهوم عدالتهم الكافي لدرجة تناغمهم مع فكرة أن الإعتراف بالذنب فضيلة والرجوع عنه فرض حضاري وإعطاء كل ذي حق حقه واجب الوفاء، وإنه لا يجوز تجاهل حقوق شعب أبيد نصفه بيدهم لأنكم بغض الطرف عن هذه الحقائق تكونون قد رسختم مبدأ إمكانية إفلات القائمين على الإبادات الجماعية والتطهير العرقي من العقاب وشجَّعتم غيرهم على اتخاذهم أنموذجاً يهتدون به لاحقاً وتكونون أنتم تشبهتم، لا سمح الله، بهتلر النازي حين قال زهواً في خطابه في الحرب العالمية الثانية: «من يتذكر اليوم الإبادة التي تعرض لها الأرمن ؟»، ولا أظن أنكم ترغبون في تحميل ضمائركم مثل هذا الثقل المؤلم ولا ضمائر أجيالكم المقبلة.

نحن أولاد اليوم ولا نطالب بالثأر، ولسنا أسرى الماضي، لا نحقد ولا نتباكى، لكننا أيضاً نريد حفظ كرامتنا وبحسب مقاييس حفظ كرامة الشعوب والأفراد وحسب موجبات احترام ذكرى ضحايانا المليون والنصف مليون في 24 أبريل 1915 وحقوقنا وجزء كبير من أراضينا التي احتلت وكذلك المليون أرمني الذين بقوا في أرمينيا الغربية المحتلة منذ قرون، والذين أُجبروا مثل الأقليات الأخرى على قبول سياسة التتريك مكرهين مرغمين على الذوبان في المجتمع التركي. نعم سيدي لهذه الأسباب ومئات الدوافع غيرها لا نستطيع نحن الأرمن نسيان ما أصابنا من مكروه منهم، كما هم يتوقعون.

أيها السفراء الأعزاء، باسم الضمير والأخلاقيات الإنسانية النبيلة، رجاءً لا تنسوا هذه الحقائق المرة العالقة وأنتم مجتمعون في بروكسل يوم 3 تشرين الأول، لأن هذا لمصلحة مفهوم المجتمع الصالح الآمن الذي أنتم أهم قلاعه الشامخة ومن أجل سمعة شعوبكم المتحضرة على المدى الطويل.

أشكركم سلفاً لتفهمكم ولكم مني كل احترام وتقدير وجزاكم الله خيراً.

نشرت في جريدة «النهار» بتاريخ 14-9-2005

       وفي جريدة «القبس» بتاريخ 17-9-2005.

أردت أن أضع مساهمتي المتواضعة هذه في موجة الاحتجاجات التي كانت تعمُّ أوروبا قبيل انعقاد اجتماعات البرلمان الأوروبي لمناقشة إمكانية انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي، وكانت الأجواء متوتِّرة في جميع البلدان التي تعيش فيها أقليات أرمنيَّة من حيث التحضير لمظاهرات واحتجاجات أمام مقرات ممثلي الإتحاد الأوروبي في عواصم مختلفة أو في العاصمة البلجيكية بروكسل التي كان مقرراً أن يعقد  فيها ذلك الاجتماع في 3 أكتوبر 2005، وكانت هناك أيضاً ضجة اعلامية كبيرة حول هذا الموضوع  سلباً أو إيجاباً من قِبل دول وشعوب عديدة في الإتحاد الأوروبي نفسه.

رسالتي التي وجَّهتها إلى سفراء دول الإتحاد الأوروبي المعتمدين في الكويت كانت عبارة عن كتاب احتجاج ودعوة للدول المعنية بألاَّ تنسى ما جرى للأرمن من قِبل الأتراك قبل اتخاذ قرار بقبولها لعضوية المنظمة، وفعلاً هذا ما جرى ولم تقبل تركيا في الإتحاد وتم وضع شروط صعبة طويلة الأمد لبحث طلب انضمامها  مجدداً لفترة لا تقل عن 15عاماً، وهكذا بقيت تركيا خارج الإتحاد الأوروبي ولا تزال.