محطَّات ومواقف

مقالات في السياسة والتاريخ

كيراكوس (كارو) قيومجيان

إهداء

إلى الذي يسكن فيَّ ولا أسكن فيه 

إلى السنبلة الذهبية وكروم العنب   

إلى دم الشهداء وجبل آرارات المغتصب 

إليك  يا وطن أجدادي ومصدر إلهامي 

أهدي هذا الكتاب

 

المـــقـــدمــــة

طوال رحلتي على درب الكتابة آثرتُ بلورة أفكاري في سلسلة مقالات متنوعة. وقد اخترت طريق الكتابة عن قضايا أبناء شعبي من الأرمن من أجل إيصال الحقيقة إلى من لا يعرفها، فحق للإنسانية أن تكون لديها أقلام تترجم أحاسيسها، وحق للمظلومين أن يجدوا من يوصل صوتهم إلى الآخر الذي قد يكون متعطشاً لمعرفة معاناتهم، لكنه لم يجد من يقوده إلى هؤلاء القابعين بعيداً عن بؤرة الضوء، وهكذا اخترت أن أسخِّر قلمي وأفكاري وموهبتي في الكتابة عن معاناة أبناء شعبي بكل أبعادها، ولا غرو أن تحتل قضيتهم جانباً كبيراً من مقالاتي واهتماماتي الفكرية ألا وهم الأرمن الذين نشأت بينهم وعايشت معاناتهم وخبرتُ آلامهم جراء القهر والإبادة والشتات والرفض والاقصاء؛ إنني واحد منهم، لكنني وجدت متنفساً على تلك البسيطة المترامية الأطراف. وقد عاهدتُ نفسي أن أكون صوتهم في كل كتاباتي ومقالاتي، ورؤيتي الأدبية والفكرية.

يلاحظ القارئ أن كتابي الذي أضعه بين يديه ليس بشعر ولا رواية ولا قصة، رغم أنني شغوف بكل تلك الفنون مجتمعة، كما أنني تمنيتُ –وما زلت-  أن أكون أحد هؤلاء المبدعين العظماء أمثال فيكتور هوجو صاحب «البؤساء»، أو ديستوفيسكي مؤلف «الجريمة والعقاب»،  أو شكسبير مبدع «كليوباترا» أو باولو كويلو الرائع في ملحمة «الخيميائي» أو نجيب محفوظ صاحب «الحرافيش» أو محمود درويش المبدع في «الجدارية» و«كزهر اللوز أو أبعد»، أو روائع أدباء الأرمن مثل رافي في «كايزير» . وكوستان زاريان في اعجازه « السفينة علي الجبل» . طالعت أشعار المبدعين الكبار وأعمالهم... لكنني عكفت على كتابة المقالات، لأنني وجدت قلمي أقدر على صياغتها والإبحار فيها مجتهداً  قدر استطاعتي في أن تكون كتاباتي إلى جانب تنوعها ذات مضمون معبِّر عن روح الإنسان الباحث عن الحقيقة، فأنا أؤمن أن الكتابة في أي قضية جادة هي ملك للبشرية كلها فما يُكتب في أي بقعة من العالم لا يعبِّر فقط عن قضايا تلك البقعة، فالهم الإنساني يتشابه، والبشر يتقاسمون التطور والنهضة تماماً كما يتقاسمون الهم والآلام والمعاناة ولله در من قال: «كلنا في الهم شرق».

هذا الكتاب يضم الكثير من المقالات عن القضية الأرمنية وعن الموضوعات الإنسانية والإجتماعية والسياسية التي تقف إلى جانب القضايا العربية وهي منشورة في صحف عربية، فضلاً عن بعض المقالات غير المنشورة، ولقد جاءت الموضوعات المتعلقة بالقضية الأرمنية  كالبلسم على الجرح، بل لا أبالغ إذا قلت: إنها كانت تثلج صدور كل الأرمن، وفي المقابل تُحرج الخصم لاحتوائها على المعلومات الداحضة والبراهين التاريخية التي تبين للقارئ العربي الفرق بين الإدعاء والحقيقة ومن الظالم ومن المظلوم.

عقب  نشر كل مقال كنت أتلقى اتصالات للاستفسار والتأكد من الأحداث والوقائع، لقد كانت الاتصالات تتوالى من أصدقاء ومعارف لبنانيين وسوريين وكويتين ومصريين وغيرهم، وكان هؤلاء وأولئك يستغربون الحقائق التي يسمعون عنها للمرة الأولى، ومن الاستفسارات التي تلقيتها إبان نشري المقالات ، هل صحيح ما تقول؟ ... هل فعلا قُتل منكم مليون ونصف المليون  أرمني؟... هل خسرتم فعلاً جميع أملاككم وأراضيكم في تركيا ؟ ويضيفون: «كنا نعرف أن لكم قصة مؤلمة مع الأتراك ونعتقد أنها نزاعات عادية بين الشعوب لكننا لم نكن نعرف أنها كانت كارثية إلى هذا الحد».

كل هذه الأسئلة والتعليقات وعلامات الدهشة والانزعاج البادية على من قرأوا مقالاتي عن القضية الأرمنية كانت تشعرني بالبهجة، لأنني استطعت إيصال قضية شعبنا إلى الآخرين. 

أنا بدوري كنت أعتقد ردحاً من الزمن أن الشعوب تعرف عن قضيتنا الكثير، لكن هيهات ذلك !

واكتشفتُ أيضاً أن إحياء ذكرى المجازر في مدارسنا وكنائسنا كل عام، والخطابات وغيرها تبقى في نطاق محدود وتدور فقط  في فلكنا، كأننا نحن الأرمن من نصرخ ونحن أيضاً من يسمع الصراخ والأنين... وهذا ببساطة معناه إن لب قضيتنا لم يصل بالشكل الكافي إلى الآخرين طوال هذه الفترة.

وفي مقابل الاستفسارات وردود الفعل المندهشة عقب قراءة مقالاتي، كان الأصدقاء العرب يتصلون للتهنئة بأي مقال يُنشر في إحدى الصحف، ويثنون على أسلوبي في الكتابة والمعلومات التي أوردتها ...، في ما كان البعض يمازحني بالقول: «يا معلم كارو ، من الأفضل لك أن تترك أعمال الحديد والاستانلس ستيل وتتفرغ للكتابة، ومن المؤكد أنك ستنجح كثيراً فيها».

على كل حال هذا ما استطعت تقديمه لوطني وشعبي وقضيتي ومجتمعي العربي والارمني من النواحي الأدبية والتاريخية والأخلاقية، وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك. 

عزيزي القارئ،

هذا كتابي أضعه بين يديك... إنها سلسلة من المقالات خرجت من أعماق قلبي قبل أن يخطها قلمي حبراً على الورق، وقديماً قيل: «ما خرج من القلب وصل إلى القلب».

 وقد آثرتُ أن أورد في نهاية كل مقال لم يتسنى لي الاسترسال فيه ، نبذة عن سبب كتابته والظروف والملابسات التي  كانت وراء خروجه إلى النور، وحاولت قدر المستطاع أن تكون هذه النبذة مختصرة ومكملة للمقال.

قد يلاحظ القارئ بأن المواضيع الخاصه عن غاراباغ الارمنيه ومواضيع مقالات في المزابح الأرمنية مكررة ومتشابه في المضمون ولكن هنا يجدر التذكير بان الفارق الزمني بين المقالات يتجاوز الاثني عشر سنه وتم نشرها في ظروف ومناسبات وليد ساعتها اما جوابا لحدث طارء يستحق الرد أو لاحياء الذاكره ولو كل سنه مره .

كما شرِّفني كثيراً أن أضيف مقالة مترجمة من خواطر الأستاذ الجليل روبير هاداجيان صاحب ورئيس تحرير جريدة «مارمارا» الشهيرة في اسطنبول، فهي نكهة مميَّزة إضافية لكتابي .

وختاماً شكري وامتناني للسادة الأفاضل معالي الوزير الأستاذ وارطان أوسكانيان والأديب الأستاذ إبراهيم الخليل والأديب الدكتور طوروس طورانيان الذين أغنوا كتابي هذا بكلماتهم الطيبة. فشرفتني مساهمتهم  القيمة .

المؤلف

بعد إصدار الطبعة الأولى أدركنا بعد صدوره أن الإقبال على الكتاب فاق توقعاتنا بدرجة كبيرة، حيث نفدت نسخ الطبعة الأولى والطلبات للحصول على نسخ من الكتاب قد ازدادت. على ضوء ردات الفعل هذه التي ادخلت السرور إلى أنفسنا بطبيعة الحال، أرتأينا إصدار الطبعة الثانية على جناح السرعة تلبية للطلب المتزايد على الكتاب، وتحتوي هذه الطبعة المحدثة ايضاً على كل المقالات التي تم نشرها بعد الطبعه الاولي .

Download