قد حلت الذكرى العزيزة على قلب كل أرمني وهي ذكرى الاستقلال والتحرر من حكم الإتحاد السوفييتي ونظامه منذ عام 1920 (بعد سنتين من التحرر من الحكم العثماني الذي امتد ستمائة سنة من الاحتلال والذل) مثلها مثل بقية الجمهوريات التي شكلت الإتحاد السوفييتي.

أعلن برلمان أرمينيا الفتي يوم 22/8/1991 نيته في تحقيق استقلال أرمينيا، ثم أعلن الاستقلال رسمياً يوم 21 سبتمبر 1991 ذلك اليوم المشرق المبارك. أرمينيا دولة صغيرة لا تتعدى مساحتها 29800  كلم2 وتعداد سكانها لا يزيد على 4 ملايين نسمة، هي دولة فريدة ذات تقاليد شعبية وارتباطها الوثيق بجذورها ودينها ومبادئها الإنسانية النبيلة، لا يشوه تاريخها أي أعمال بربرية أو وحشية من أجل السلطة والمال، بل تاريخها حافل بالمقاومة الباسلة الشريفة والنضال من أجل تحرير أرضها المغتصبة من المحتلين، وبالرغم من فشلها في تحقيق ذلك لكثرة الطامعين فيها وبسبب وقوعها في منطقة جغرافية استراتيجية، حيث انها تعتبر المدخل والممر الوحيد لربط آسيا الصغرى بآسيا الشاسعة من حدودها الشرقية ولغاية حدود الصين مروراً بجميع الدول الاسيوية الكبيرة. 

   لا نرغب في هذه المناسبة السعيدة العروج على تاريخ أرمينيا المؤلم، ولكننا نتطلع بالاعتزاز والفخر إلى ما حققه وطننا في هذه الفترة القصيرة من عمر استقلاله المجيد، حيث استطاع بعد استقلاله مباشرة خوض معارك بطولية شهدت تضحيات كبيرة لتحرير الجزء العزيز من الوطن الذي كان قد وضع كأمانة إدارية لدى الجمهورية السوفييتية (هذا ما كان يطلقه البعض على جميع الجمهوريات المنضوية تحت علم الإتحاد السوفييتي حيث لا فرق بين حقوق وأرض وموارد وحدود أي من تلك الجمهوريات، ولا فرق  بين المواطنين والممتلكات، وليست هناك خصوصية لأي دولة من تلك الدول  الـ16).

 وبعد إعلان الهدنة بدأت عملية بناء الدولة من الحجر والبشر، فبنيت مرافق الدولة الحديثة بتقنية علمية وتشكل البرلمان ومجلس الوزراء واللجان الخاصة بإدارة البلاد على أساس ديموقراطي وصيغ دستور الدولة وأبرم وتشكل الجيش وبقية القوات المسلحة لحفظ الأمن وقيام الدولة.

وخلال العشرين سنة الماضية دخلت أرمينيا في جميع المنظمات الدولية مثل الجمعية العمومية للأمم المتحدة والمؤسسات واللجان المنبثقة منها مثل اليونسكو ولجان حقوق الإنسان بفروعه، كما أصبحت عضواً فاعلاًً في اللجان الدولية وذات سمعة ممتازة في مجال ممارسة الديموقراطية في الحكم واحترام حقوق الإنسان وجميع المواثيق الدولية السارية على الشعوب المتحضرة، لقد جرى انتخاب ثالث رئيس جمهورية بالوسائل السلمية والديمقراطية المقبولة عالمياً وكذلك أعضاء البرلمان وبقية المؤسسات التي تحتاج إلى انتخابات حرة ونزيهة لرؤسائها أو أعضائها.

يتطلع الأرمن اليوم ويحدوهم الأمل إلى مستقبل مشرق يأملون فيه بظروف معيشية كريمة وحقوق انسانية، ليصبح  بلداً ينعم بالأمن والأمان لا تهدِّده أخطار أو أزمات من أي مصدر كان، ليقدم مساهمته النبيلة للمجتمع الدولي الذي هو عضو فيه ويستطيع أيضاً إعطاء ما يستطيع من الإرث الحضاري الراقي الذي يملكه منذ 3 آلاف سنة من التاريخ الإنساني في مجالات العلم والأدب والثقافة الفريدة الذي نقله عن أجداده منذ فجر التاريخ وهذا يعطي  جميع الجاليات الأرمنية في الدول العربية مثل لبنان وسوريا ومصر والإمارات فرصة أيضاً لإعطاء أفضل ما عندهم للمجتمعات التي  يعيشون فيها بالكرامة والسلام والاندماج في نسيج المجتمع لتقوية محيطهم وتطويره  لمصلحة جالياتهم ووطنهم الأصلي أرمينيا.

نشرت في جريدة «النهار» بتاريخ 22-9-2010

وفي جريدة «القبس» بتاريخ 20-9-2010