«كل هذا الظلم إذا نسيه أولادنا      فليستحق الأرمن الشتم من العالم أجمعين»

هذا ما أوصى به الأديب الأرمني الكبير أواديس أهارونيان وحمَّل تبعاته لأجيال الأرمن، وهذا ما التزم به الأولاد جيلاً بعد جيل، سلَّم الواحد منهم الراية لمن بعده مجدِّداً العهد بعدم النسيان، ومؤكِّداً التذكر المستمر للظلم الذي وقع على أجداده من قبل الأتراك على مر الزمن والذي بلغ أوجه في بداية القرن العشرين في غياهب الأناضول والصحارى المجاورة في فترة عاش فيها شاعرنا المناضل العظيم مآسي شعبه المسكين.

إنها ليست وصية للأرمن فحسب، بل إنها أيضاً وصية ومسؤولية على حكام الشعوب الحية، وصية للشعوب التي عانت ويلات الحروب والدمار، وعانت التشرد وقتل الملايين… إنها وصية مخلصة ونافعة لحكام أوروبا خصوصاً عشية اجتماعهم لبحث إمكانية قبول تركيا في الإتحاد الأوروبي في ديسمبر 2004.

إنها مناشدة بعدم نسيان الظلم أينما كان ولأي فرد أو شعب كان، ومن أي حكم أو حاكم كان. دعوة بعدم النسيان ليس للإبادة الجماعية التي تعرَّض لها شعب قبل تسعين سنة فحسب، بل من أجل غسل الضمير الإنساني من خطيئة النسيان المتعمَّد والمشجِّع للتكرار. خطيئة الساكت المشارك في مجزرة تعرَّض لها ثلث أبناء شعب كان يعيش على أرض أجداده منذ فجر التاريخ، يقدِّم باستمرار مساهمته اللائقة للحضارة الإنسانية في فن المعمار وعلوم الفلك والفيزياء والأدب وأشكال الثقافة الأخرى، وكل ما هو مطلوب من الشعوب المتمدِّنة مثل معاصريه من شعوب الاغريق والرومان والفرس.

 

إن سماح المجتمع الأوروبي لتركيا بالإنضمام إليه قبل أن تنظف نفسها من شوائب ماضيها الذي تعرفه شعوب أوروبا قبل غيرها، سيكون خطأ جسيماً ستندم عليه أجيال أوروبا القادمة أشد الندم. إن على تركيا أولاً أن تغسل يديها وقلبها وأن تتصالح مع الشعوب التي ذاقت الأمرِّين على يديها (القارئ العربي يعرف هذا جيداً) وخاصةً الشعب الأرمني الذي ضحى بمليون ونصف المليون من شبابه ونسائه وعجائزه وأطفاله في سبيل تهيئة الظروف الملائمة لتطبيق الخطط الحربية على الروس أعداء الامبراطورية العثمانية في ساحة القتال الشرقية في الأراضي الأرمنية الواقعة تحت الحكم العثماني في الحرب العالمية الأولى، وبالتحديد 1915، ولتمهيد تحقيق الأحلام الطورانية التوسعية باتجاه آسيا الوسطى لحدود الصين وتشكيل الإتحاد مع الشعوب المنحدرة من أصول تركية الممتدة من بحر قزوين مروراً بأرمينيا التي كانت تقف حاجزاً بموقعها الجغرافي أمام تحقيق تلك الأطماع.

وأنه قبل الاعتراف الرسمي التركي بالظلم الذي أوقعه أسلافهم على الأرمن وتسوية قضايا الحقوق الشرعية لمن بقي من أحفاد الضحايا والدولة الأرمنية المستقلة، انه قبل الحصول على وثيقة «براءة ذمة» وشهادة «لا حكم عليه» عن ماضيها وحاضرها من المجتمع العالمي، فإن قبول تركيا في الإتحاد الأوروبي سيكون وصمة عار علي جبين أوروبا تثقل ضميرها للأبد وتلطخ حضارتها الراقية ببقعة حمراء لا تزيلها أقوى المنظِّفات بما فيها التاريخ والزمن.

نشرت في جريدة «القبس» بتاريخ 22-11-2004

       وفي جريدة «النهار» بتاريخ 25-11-2004 

     وفي جريدة «الشرق الأوسط» بتاريخ 26-11-2004 تحت عنوان «قبل أن   يسبق السيف العذل: رسالة أرمنية… لتركيا وأوروبا».

إن الموضوع الرئيسي الخاص لمقالة «الأرمن والأتراك والأوروبيون» يدور حول دعوتي الدول الأوروبيِّة عشية اجتماعها في ديسمبر 2004 لبحث إمكانية قبول تركيا في المجتمع الأوروبي، حيث طلبتُ منها عدم قبولها قبل أن «تنظِّف» تركيا نفسها من شوائب ماضيها وحصولها على صك البراءة من الشعوب التي عانت الأمرِّين من أسلافها العثمانيين .

 لقد ذكَّرت الرؤساء المجتمعين فى بروكسل أن قبول تركيا في الإتحاد الأوروبي سيكون وصمة عار على جبين أوروبا تثقل ضميرها إلى الأبد وتلطِّخ حضارتها الراقية ببقعة حمراء مخزية لا يزيلها التاريخ والزمن. وفعلاً استجاب الله سبحانه وتعالى دعائي ودعاء بقية الأرمن وجميع الشعوب التي ما زالت تطالب بحقوقها من تركيا ولم تُقبل عضوية تركيا فى الإتحاد الأوروبي في تلك الجلسة المهمة.