سيادة الرئيس باراك أوباما الموقَّر

          رئيس الولايات المتحدة الأميركية

تحية طيبة وبعد،

أرسل إليكم أخلص تحياتي وتهنئتي بمناسبة انتخابكم وتنصيبكم رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في حفلة رائعة، واسمحوا لي سيدي الرئيس أن أهنئ نفسي أيضاً بفوز مرشحي المتمثل بشخصكم، رغم أنَّني لست من مواطني الولايات المتحدة الأميركية.

نعم أنا سعيد مثل الملايين في العالم ممن توسموا فيكم الخير لبلدانهم ولأنفسهم بانتخابكم، وكل منا له توقعاته منكم، كونكم رجلاً صادقاً وشجاعاً وحكيماً، والأهم رئيساً مميزاً.

سيدي الرئيس،

إن مبدأ «التغيير» الذي اتخذتموه شعاراً وخطة عمل ومنهجاً لعهدكم، أسعد الكثيرين في الولايات المتحدة وخارجها، وفتح أمامهم بارقة أمل في غد مشرق، ومنحهم آمالاً واسعة، ويتوقعون منكم الكثير، ونتمنى أن تستطيعوا تحقيق أكبر قدر ممكن من توقعات الناس منكم، ومن هذا المنطلق، نتمنى نحن الأرمن يا سيادة الرئيس، أن يكون التغيير المقبل هو البقاء على قناعتكم بأن ما أصاب الشعب الأرمني نهاية الحرب العالمية الأولى من قبل النظام التركي آنذاك كان إبادة عرقية جماعية كاملة، ولم تكن مجرد أحداث حرب مؤسفة محدودة، أو سواها من أوصاف سمعناها بكل مرارة في العقدين السابقين، وليكن التغيير المنتظر هو تسمية الأمور بأسمائها بعد الانتخابات، مثلما كانت قبلها، وليكن «التغيير» بالتمسك بالسلوك نفسه الذي طالما أظهرتموه مرة تلو الأخرى منذ كنتم نائباً، سواءً في كتاباتكم أم خطاباتكم ونصرتكم لقضية الأرمن ووعودكم وأنتم رئيساً، بتفعيل هذا الدعم لقناعتكم بأن الحق أبقى من القوة، وإن ثقافة العدالة يجب أن تسود دبلوماسية أميركا الحديثة. ولعمري هو موقف شجاع أسعدنا وزادنا أملاً، ودفعنا نحو مزيد من التصميم والإصرار.

أيام قليلة وستحل ذكرى 24 أبريل (نيسان)، ذكرى شهداء الأرمن في مجزرة العام 1915، ذكرى الحدث الأليم الذي راح ضحيته من دون ذنب، مليون ونصف المليون من شعبنا، ليس إلا لوقوعه في منطقة تعيق الأطماع التوسعية القومية للطورانية، واسمحوا لي أن أقول بكل أسف، أن هذه الكارثة لم تجد حتى الآن اعترافاً رسمياً مناسباً من دولتكم العظيمة، رغم اعتراف ما يزيد على عشرين دولة حول العالم وأكثر من ثلاثين ولاية أميركية مشكورة، وكذلك غالبية أعضاء الكونغرس الموقر، ومعظمهم متعاطفون مع قضيتنا العادلة، وسيمثل دعم ادارتكم الحالية قلعة منيعة، لن تستطيع أن تؤثر فيها وتخترقها الضغوط السياسية ذات الصخب المفتعل والخادع، والتي تسعى إلى وأد قضيتنا. بعد نحو 600 سنة من الاحتلال والاستبداد والقهر والتخلف الذي عانيناه، وبعضه لا يزال مستمراً، ها هي تخفق قلوب الملايين من الأرمن، نصفهم في الشتات، وفي الولايات المتحدة ومعهم قلوب مئات الملايين حول العالم، ينتظرون نطقكم السامي، في ذلك اليوم البالغ الأهمية في التاريخ الأرمني وفي التاريخ الإنساني، يوم 24 أبريل (نيسان) لإصدار بيان رسمي للمناسبة، وفقاً للعادة المتبعة سنوياً في البيت الأبيض، للتأكيد والإدانة الصريحة للمجزرة التي وقعت على شعبنا، وسوف يمثل موقفكم التاريخي هذا، انتصاراً للإنسانية والعالم المتحضر، ودفاعاً عن العدالة، وازالة للمخاوف من تكرار الكارثة، وبدعم من دولتكم العظيمة، سوف نسترد جزءاً مهماً من حقنا المهدور منذ قرون، وفي الوقت نفسه سيعلم المعتدون، مهما كانوا، وأينما وجدوا، أن مصيرهم الإدانة، عاجلاً أو آجلاً. علمت أنكم تستعدون لزيارة الجمهورية التركية قريباً، وفي توقيت يمثل ساعة حاسمة بالنسبة إلينا نحن الأرمن، لذلك استعجل خطابي هذا إلى سيادتكم، متمنياً أن تكون هذه الزيارة فرصة للتأكيد على قناعتكم بعدالة قضيتنا، ونبل مقصدنا، وتكريساً لدوركم في احلال السلام، راجياً طرح هذا الموضوع مع السادة الزعماء الأتراك، وحضهم على تأكيد الحقوق المعنوية والمادية لأبناء شعبنا، وتصحيح علاقة حسن الجوار مع الوطن، بما يعود بالخير والمحبة لمصلحة البلدين ولشعوب المنطقة.

لا يسعني أخيراً إلا الترحيب بزيارتكم التاريخية للمنطقة، متطلعاً إلى مساندتكم المباركة ودعمكم الحاسم، ومتمنياً أيضاً لو عرَّجتم على أرمينيا على بعد خطوات، ومنحتمونا شرف استضافتكم فأهلاً بكم.

وتفضلوا بقبول فائق الامتنان والاحترام،

  المخلص

      كيراكوس قيومجيان

                                              (الكويت)

نشرت في جريدة «النهار» بتاريخ 1-4-2009 

وجريدة «القبس» بتاريخ 6-4-2009 

وجريدة «الحياة» بتاريخ 1-4-2009 بعنوان «من أرمني إلى الرئيس أوباما»

وجريدة «الدايلي ستار» اللبنانية الناطقة باللغة الانجليزية بتاريخ 6-4-2009

وجريدة «أزتاك» الأرمنية بتاريخ 24 -4- 2009.

كنت من المتفائلين بانتخاب الرئيس أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية حتى يوم 24 أبريل – نيسان من العام نفسه. كنت من الذين ناموا وصحوا على رهان إمكانية تأكيد الرئيس أوباما لوعوده الانتخابيَّة التي قطعها على أبناء الجالية الأرمنيَّة في أميركا بخصوص موافقته على ضرورة إعلان صريح من الرئيس الأميركي بلفظه كلمة «الإبادة» عند وصفه لما تعرَّض له الأرمن عام 1915 من قِبل الأتراك، وذلك في مناسبة ذكرى الإبادة في 24 أبريل من كل عام في البيت الأبيض، من مكتب الرئيس مباشرة، كما جرت العادة منذ عدة عقود، حيث يقوم الرئيس الأميركي بتصريح تعاطفي خاص بالمناسبة احتراماً لأبناء الجالية الأرمنيَّة وكانت المناسبة الأولى للرئيس أوباما بعد انتخابه.

قررت أن أكتب رسالة إلى الرئيس أوباما وبعثتها إليه عبر القسم القنصلي في السفارة الأميركية في الكويت، وذكَّرته فيها بوعوده التي قطعها للجالية الأرمنيَّة عندما كان نائباً مرشحاً للرئاسة عن الحزب الديمقراطي، وطلبت منه أن يتبنَّى نفس الأفكار الشجاعة التي كان يتبنَّاها وهو نائب، علماً أنه هو من كان قد وجَّه كتباً عديدة لجهات رسميَّة في الإدارة السابقة، ومنها الكونجرس الأميركي والرئيس السابق جورج بوش ووزيرة الخارجية الأميركية حينذاك كونداليزا رايس يطالبهم فيها بالاعتراف الرسمي بالإبادة الأرمنيَّة. ونُسخ هذه الرسائل متاحة في موقع لجنة القضية الأرمنية في واشنطن. ذكَّرته بكل هذه الحقائق وطالبته أن يكون عند وعده.

كنت قد بدأت بجمع أفكاري لكتابة الخطاب ليكون جاهزاً للتسليم قبل 24 إبريل وهو يوم ذكرى الشهداء، لكن تعديل برنامج الرئيس لزيارة أوروبا في حينه ليشمل في نهايتها تركيا أيضاً جعلني أشحذ همَّتي واستعجل كتابي وأضيف إليه الفقرة الأخيرة المخصَّصة لزيارة الرئيس لتركيا، وطالبته فيها أيضاً بفتح موضوع الأرمن مع القادة الأتراك، الشيء الذي حدث بشكل أو بآخر سواء عند المؤتمر الصحافي الذي أقيم في جامعة اسطنبول أم خلال المحادثات اللاحقة حيث تمَّ تناول القضية الأرمنيَّة.