قتلى وجرحى اثر قصف الجيش السوري مدينة عدرا في ريف دمشق بعد سيطرة المعارضة المسلحة عليها”. هذا خبر نمطي من آلاف النماذج على شريط الاخبار الذي نقرأه أسفل شاشة التلفزيون في نشرات المحطات الفضائية منذ نحو 3 سنوات، وقلبنا يعتصر ألماً، وإن كان ليس واضحاً ما هو المقصود بالضبط من فحوى الخبر ومغزاه وتفسيره عن الفاعل والمفعول به والمعتدي أو المعتدى عليه، وهذا ما ينتظره المشاهد على الأقل من أي مصدر خبري أو محطة فضائية.

مدينة حلب المدمرة

لكنني أتعجب من جموع الشعب السوري التي تتقصد اللامبالاة حيال ما يجري حقيقة في وطنها، بل ويا للأسف يحدث العكس حين يلقي كل منهم باللوم على الطرف الآخر استناداً الى الخبر، فالفريق الاول يقول بأن المعتدي هو الذي قصف المدينة حيث لا يجوز لأي سبب أن تقصف طائرات الجيش مدينة من مدن وطنه التي يسكنها شعب آمن، والفريق الثاني يقول بالحماسة نفسها إننا لم نقرأ الخبر حتى النهاية الذي يقول في نهاية الجملة “بعد سيطرة المعارضة المسلحة عليها”، وعليه فما هو المتوقع أن تفعل دولة بمجموعة مسلحة تسيطر على هذه المدينة اليوم، ثم تنتقل الى الاخرى بعد شهر وتقطع طريق المواصلات وطرق التموين، ويعلنها مدينة محرّرة ويعتبرها إمارة من الامارات الطائفية المتشددة ويطلق عليها اسماً رناناً ذا معنى لجذب تعاطف الشعب.

منذ 3 سنوات ونحن على هذه الحال، ولم يعبأ أي طرف بأن الامور تتدهور بسرعة على طريق الخراب والدمار، ولن تتحقق أي مكاسب ذات قيمة على الارض ما عدا ان هذا يتهم ذاك بأنه جلب فصائل وكتائب للقتال الى جانبه، والآخر يتهم الاول بأنه لم يترك مقاتلاً أجنبياً شرساً حقوداً إلا جلبه للقتال معه في الخندق نفسه، ناهيك عن الذين انضموا الى الفرقاء ليشبعوا شهوتهم القتالية الحية عبر “بث مباشر” كمغامرة أو إفراغ أحقادهم العقائدية الفائضة على أرض الواقع وعلى اللحم والدم السوري الحار بدل لعبة play station.

ما كنت أتوقع يوماً وجود هذا الكم من الحقد مدفوناً في هذا العمق بين الطوائف السورية، وما تخيّلت أن يكون بهذا الحجم من اللامبالاة لدى قادة الاطراف المتصارعين، وكأنهم ليسوا آباء لهؤلاء الأطفال السوريين وهذا ليس وطنهم ..

لا أحد من الأطراف يسمع صوت العقل والضمير ولو للحظة، الكل يتصرف وكأن النهاية محسومة لمصلحته، فلا شك في أنهم يصغون الى ما يقال لهم من القوة التي تساندهم وتدعمهم أو توحي لهم بتصوراتهم المغرورة، لا أحد يرغب في التوقف دقيقة ليفكر في تغيير سياسته أو استراتيجيته أو الجنوح للحل السلمي السياسي، و”أن يتركوا للصلح مطرحاً”، على الأقل لتقليل نزف الدم ووقف الدمار في المدنوالقرى، وإعطاء فسحة من الراحة لهذا الشعب المسكين، الذي وصلت أرقام قتلاه وأعداد نازحيه وكمية الدم الذي سال منه والعوز الذي اصابه الى أرقام فلكية، والمعاناة التي لم يعهدها أي شعب حتى في أحلك أيام غزوات المغول والتتار في العصور الغابرة.

الكل يصرح بأن له شروطه العامة وشروطه الخاصة ولا يرغب في التنازل عنها قيد أنملة، فالكل يوحي لنفسه وللغير أن في تشدده الوطنية بعينها، ويسوق للشعب بأن التساهل في الموقف هو الخيانة بذاتها، علماً أن القرار خرج من يده منذ زمن، وانه الآن مأمور من الغير بسبب وهنه وضعفه لقتاله أخيه، بعدما خارت قواه تماماً. لا أحد يدرك أن الطريقة التي اختارها منذ البداية لم تؤتِ ثمارها، فعليه التمهل قليلاً وتغيير خطة العمل، وإذا كان مقدراً أن يكون خراب البلد لمصلحة أحد الاطراف، فلماذا لا يغيّر الطرف المتضرر سياسته أو استراتيجيته ليوقف خسائره من دمار الحجر والبشر، ويختار الحل السلمي السياسي كما ذكرنا؟

هل فقد المتحاربون حنكتهم السياسية؟ ألم يتعلموا القليل من الديبلوماسية قبل التوجه الى الحرب؟ إنني أرى بعقلي وتجربتي المتواضعة ومشاهداتي في السياسة العالمية ولعبة الأمم وتصارع المصالح الدولية منذ 40 سنة أن ما جرى في بلدي سوريا لم يكن إلاّ نتيجة عبث وجهل شديدان، سوف يندم عليهما كل شخص أو فئة سورية قامت بأي عمل تخريبي أو أسالت نقطة دم سورية في هذه الحرب، لأن هذه المآسي ستنتهي بأن الكل مغلوب والوطن هو الخاسر الأكبر “يا حرام”، ولن تستطيع أي فئة سورية أن تشفي غليلها من الطرف الآخر أياً يكن مصدر ذلك الغليل، وانني كنت أرى أنه ما كان يوجد لأي طرف من الاطراف حجة مقنعة ملحة تجعله يبدأ الحرب من الأساس، بل ادعاءات عن احتمال مجيء ارهابيين للحكم أو وجود ظلم على الشعب يستدعي الثورة المسلحة. إلخ.

إن الطرف الأجنبي والأصدقاء المزيفين هم الذين سيشفون غليلهم منا، ومن بينهم اسرائيل التي كانت ترصد الشر لبلدنا، وبالرغم من انها كانت ترغب في دمار وإيذاء أكثر لبلدنا، إلاّ انها كما يبدو اكتفت بما حصل لنا من دمار للحجر والبشر، وهذا ليس بالقليل على أي حال. كل هؤلاء سينظرون من بعيد ويقولون لأنفسهم المثل الشعبي “فخار يكسر بعضو”. على كل حال، في نهاية هذه الحرب الضروس لن يستطيع أي طرف كسر شوكة الطرف الآخر برغم ان هذا هو ما كان يبغاه كل منهم حين شد أصبعه على الزناد في المرة الاولى قبل ثلاث سنوات.

وعلى كل حال، ومن باب الفرضية، إذا تغلّب أحد الاطراف، على الطرف الآخر عاجلاً أم آجلاً، من المؤكد أن مجمل مكاسبه من الانتصار لن تكون موازية أو معادلة بأي نسبة قيمة الاضرار التي تكبدها ودفع ثمنها أرواحاً وحضارة وأحلام أجيال فتية، لأنه سيكون ببساطة تغلب على أخيه وليس على العدو، كما انه سيعض على أصابعه ندماً على ما فعلت يداه، ويبكي دماً على ما حصل في بلده، ولن ينعم بنشوة الفوزلأكثر من ثلاث دقائق، لأن ضميره “سيوخذه” بشدة وهو ينهمك في عملية إصلاح بيته وحارته وأطلال مدينته، وسيمد يده مرة أخرى لخصوم الأمس للتعاون الجماعي والبناء الاجتماعي الحثيث لمدة لا تقل عن 30 سنة في أحسن الأحوال.

ونحن على أبواب تحضير اجتماع جنيف 2، كلي رجاء من جميع المشاركين، وخصوصاً من اخواني السوريين، ان يراعوا الرأفة في شعبنا المظلوم، وان يتركوا جانباً احقادهم وكراهيتهم المصطنعة الدخيلة عديمة الفائدة، وأن يبدأوا حواراً ومباحثات أخوية صادقة من دون شروط تعجيزية على الطرف الآخر، وهم يتمنون السلام الحقيقي لبلدنا العزيز المعطاء وشعبنا الأصيل الغالي، والإنتهاء من الاجتماع باتفاق تام على كل ما في مصلحة سوريا وأمنها، وأن يزيلوا من السماء هذا الغيم الاسود الذي يمطر الدم والرصاص والحقد والموت على السوريين كل ساعة وكل يوم، ويأتوا معهم ببشائر استعادة الكرامة والصلح المستديم واعادة الاعمار والازدهار ..

وها  أنا   أناشد  أبناء   بلدي   بأعلى  صوتي   وبلهجتي   الحلبية  : “فضوها  بئا لك  خيو،  إمشان  الله”.

نشرت في جريدة «النهار» بتاريخ 20 /01/2014

وجريدة «القبس» بتاريخ 21/01/2014

وجريدة «الحياة» بتاريخ 21/01/2014


الكاتب يكتب حينما لايستطيع ان يكتب وهذا ماحدث معي قبل كتابة مقالتي «بالحلبي فضوها بئا لك خيو، إمشان الله « حيث طوال السنوات الثلاثة الماضية تقريباً كنت اتردد في الكتابة بموضوع ازمة وطني السوري والمواقف الشائكة التي يكتنفها الوضع مابين موالاة النظام أو المعارضة ماكنت استطيع تحديد موقفي في القضية بشكل مرجح واضح  يضعني بكفة احدى العقائد دون الالتفاف أو اعتبار الطرف الاخرعلى قناعة راسخة وثابتة .

كما ذكرت في المقالة بأنني لا أستطيع التفكير وتحديد موقف ثابت وعلى رأسي ينهمر الرصاص الملون من جميع الاتجاهات وأزيره يصم آذاني ويغلق دماغي يتبعه غشيان عيني التي لاتري اي شئ من كثافة الدخان والتراب المتصاعد والذي بدوره يغشى عيوني على ما يجري على الارض غير مصدقا أذاني التي لاتسمع من الضجيج ولا أصدق عيوني التي لاترى هي الاخري من التراب والدخان كما ان عقلي  من البداية ولا في النهاية ما استطاع استيعاب ما يحدث على الارض ونشاهده طبعاً على شاشات المحطات الفضائية نعم لم استطيع استيعاب أوأصدق بأن الصور والمناظر الحية التي اشاهدها للدمار والخراب هي في وطني سوريا وبأخص مدينتي ومسقط رأسي حلب الحبيبة انا لا استطيع التعقل والانحياز الى احدى اطراف المتحاربين كما يدعونني اصدقائي من هنا أو هناك انا اليوم وبعد مشاهدتي كل ما يجرى من اعمال وحشية لا استطيع تأييد اي من الافكار الهدامة والانحياز لها مقابل الفكرة المخربة الاخرى والتي هي ابشع من سابقتها كيف لي ان اكون مواليا أو مؤيدا لأحداهم وان أشاهده يومياً يرمي بأدوات الدمار والموت على إخواني الآخرين. انا لاعرف بالضبط من الذي تسبب في  ان أرى صورالاطفال المذرية وكلامهم المذعور من فقدان اهلهم لهذا السبب او ذاك من زاوية حارتهم او في المهجرتحت الخيام في الصيف الحارق أو الشتاء القارص الذي لايرحم .

  انا كتبت هذة المقالة ليس فقط  لسخطي على ما يجرى في بلدي بل كتبت بدلاً عن العجائز اجدادي واعمامي الذي انقطع بهم السبل على ليلة نوم هنية ببطن شبعان حول اسرهم كما كانوا متعودين طول عمرهم قبل الحرب . 

انا كتبت عن اخواتي وخالاتي السوريات اللواتي انقطع بهن السبل الي الدخول الي مطبخهن وكانت استراحتهن اليومية لتحضير الطبق اليومي ذوالرائحة الشهيه مهمومات بان لا يتأخرن بالطبخ قبل وصول أبو الأولاد من عمله متعبا جائعا وهو بإنتظار ان تعطيه الجواب المحبب الي قلبيه بعد ان يسالها في وقت دخوله شو طابخه اليوم ومن بعده يقف           أتوبيس المدرسه  إيذانا بوصول الصبيان والبنات وهم يحملون شنط المدرسه الثقيله وهم مثل ابوهم وقبل السلام يسالون اختي التي اكتب عنها اليوم ويقولوا لهم بصوت واحد شو طابخه اليوم يامو 

انني أ كتب عن ابن اختي في الثالثة بالجامعه بحلب وبنت عمي في الاعداديه في دير الزور والثانيه بنفس العمر في حمص واكتب عن اولاد حارتنا الذين يملؤن الحارة بالضجيج والصراخ وهم يلعبون الكره علي راس الحارة ويطلع ابن الجيران القريبه يصرخ بهم وطي صوتكم في اولا د في تاخيركم عبتحضر للامتحان نعم كتبت عن كل هؤلاء المحترمين الاعزاء الذي اتحرموا من نمط حياتهم اليومية الذي تعودوا عليها واليوم اصبحوا كل في مجمع اللاجئين الذين تملمت احلامهم وخابت امالهم وعن هؤلاء الذين اتشردوا فى بقاع الارض الأربعه أكتب عن كل الذين تعذبوا ومازالوا  يتعذبون وعن هؤلاء الذين ماتوا بدون ذنب نعم أكتب عنهم 

 أكرر صراخي   لمن يهمه الأمر  لكى يسمعوا وأقول مرة و عشرة فضوها بها لك خيو مشان الله )  عن الاخفاقات التى منينا بها فى المحافل الدولية بعد أن اجتمعنا بجهد جهيد وخرجنا بخطى حنين أكتب من فرط فزعي وخيبتي من تحولنا كعوائل فى مجتمع متألف متخاوي لا فرق بين الطوائف والمذاهب والاعراف الى أناس يملئ قلوبهم وعقولهم دودة الشك من أخيه أو زميله أو صديقه أو جارة يالطيف على هذه الفظاعة حتى يمكن التصور لابشع منها فى حالة ؟ أكتب عن كيفية تسلسل الاحداث التى أدت الى سفك الدم السوري بهذا السهولة أو بهذا الثمن البخس .