أشدُّ بقوة على يد جميع الأحرار حول العالم الذين تعاطفوا قولاً وعملاً مع قطاع غزة في فلسطين المحتلة، وحاولوا بوسيلة أو بأخرى فك الحصار الجائر الذي فرضه الكيان الصهيوني من دون أدنى درجات العطف والإنسانية، كما انني أقدِّر موقف رئيس وزراء تركيا السيد رجب طيب أردوغان لمواقفه الدبلوماسية والإنسانية النبيلة التي يبديها في كل مناسبة لمصلحة غزة وشعبها المحاصر الذي يعاني ظروفاً لاإنسانية وظالمة يخجل منها جبين أي إنسان متحضِّر في القرن الحادي والعشرين. ! نعم فالحصار الاسرائيلي لفلسطين حصار ظالم لم تفعله سابقاً ولن تفعله مستقبلاً أي دولة متمدِّنة على دولة أخرى أضعف منها إلا إذا كانت همجية يغلب عليها طابع العناد والتسلط.

حبذا لو طالت إنسانية الرئيس ونبله وشملت الشعب الأرمني الذي تحاصره منذ عقدين الحكومة التركية نفسها، وكم يكون رائعاً ومكتملاً لو قرَّر فتح الحدود وإزالة المعاناة القاسية عنهم أسوة بغيرهم لأن الحق لا يتجزأ.

 كل التحية للمتضامنين الكويتيين العائدين، الساسة منهم والأفراد لمحاولتهم الشجاعة الاشتراك في قافلة الحرية التي انتهت تلك النهاية المأسوية وشاهدناها على شاشات التلفاز، والتي لم تكن إلا إحدى المحاولات البائسة التي يتمسك بها النظام الصهيوني لاخضاع شعب غزة لسلطانه الظالم المعتدي دون أي احترام للمقاييس الإنسانية والقوانين الدولية المعمول بها. حسناً فعل الأبطال الكويتيون هؤلاء الذين مهما تعرَّضوا للمشقَّات والمذلة كما ذكروا قبل هجوم الكومندوس الاسرائيلي عليهم أو في أثنائه أو بعده، لكن محنة كهذه لا تساوي شيئاً مقابل وسام العزة والكرامة الذي حصلوا عليه نظير عملهم البطولي الذي فاض منهم وغمر جموع الشعب الكويتي الذي سوف يزهو بهم إلى الأبد.

نسمع يومياً عبر الإذاعة ونشاهد محاولات كثيرة للهيئات والمنظمات الإنسانية في شرق العالم أو في غربه، في شماله أو جنوبه تحاول كل منها حسب قدرتها وامكاناتها المشاركة في كسر حصار غزة وإيصال المساعدات الإنسانية إلى شعبها المقهور. كما أن الكثير من الدول اتخذت مواقف عملية للإعراب عن استيائها وغضبها من أفعال اسرائيل مثل استدعاء سفرائها من اسرائيل أو قطع علاقاتها الديبلوماسية معها. كما نسمع عن تجمعات خيرية أو تضامنية لمصلحة غزة وشعبها. لا شك في أن جميع تلك المساعي مشكورة مهما يكن حجمها وتأثيرها أو أنَّى يكن مصدرها، لأنها سوف تتجمع طوبة فوق طوبة فيتشكل منها جدار يعزل اسرائيل عن المجتمع العالمي ويزيد كراهية الشعوب لها، لما فعلت يداها الدمويتان وما زالت منذ 60 عاماً وأكثر لهذا الشعب المتشرِّد حول العالم والمتمسك بجزء من أرض وطنه خلف الجدار الفاصل العنصري الكريه. كما أنه سيزيد سخط الشعوب عليها وتتحوَّل اسرائيل إلى دولة منبوذة ومكروهة أكثر فأكثر.

حبذا لو أيقنت الفصائل الفلسطينية المتطاحنة مع السلطة الشرعية أو بين بعضها البعض حقيقة أهمية توحدها تحت سقف قرار وطني واحد يجمعها ولا يفصلها. حبذا لو جمع منطق العقلانية هذه الفصائل الفلسطينية أو بعضها بدل الغوغائية، منطق القبول والاقتناع لسياسة «خذ وطالب» وسياسة اللعب بالمعقول والإبتعاد عن الخطاب الانفعالي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. فهذه السياسة أثبتت أضرارها ومساوئها على أرض الواقع منذ سنوات.

لا أظن أن أي دولة أو منظمة أو أي طرف يستطيع تحسين واقع الفلسطينيين، وخصوصاً وضع غزة، إذا بقي الطرف الفلسطيني على وضعه الحالي منقسماً في الأرض والقرار. لن تستطيع أي جهة مساعدة الفلسطينيين إذا لم يساعدوا أنفسهم ويساعد بعضهم البعض. إنهم يشبهون الأخوين المتنازعين اللذين يحيران أحبابهما وأصدقاءهما في اتخاذ موقف من أي منهما خوفاً من الإضرار بمصلحة الآخر. فالأصدقاء في حيرة من أمرهم يواجهون صعوبة التوفيق في إتخاذ أي قرار يرضي الطرفين أو لا يغضب أحدهما.

انه ليوم سعد حين نسمع أنَّه قد تمَّ دفن الخلافات السياسية والادارية والاستراتيجية – ولمَ لا- ؟ والخلافات المصلحية والعقائدية المصطنعة إلى الأبد في حفرة عمقها مليون سنة ضوئية، فنسمع أنهم بدأوا التعامل مع بعضهم ومع اسرائيل والعالم أجمع بخطاب سياسي فلسطيني موحد يجمع حوله جميع الفصائل والأفراد من الداخل والخارج، وهذا القرار بدوره يجعل جميع الشعوب الشقيقة والصديقة والزعماء في الشرق والغرب وهم كثر على كل حال يلتف حولهم. وبهذا يشكِّلون القوة الفاعلة التي لا بد من أن تفرض احترامها على العالم، فيستطيعون بذلك استرداد ما فاتهم من السنوات العجاف، كما أنَّهم سوف يستطيعون انقاذ ما يمكن انقاذه من فلسطين الحبيبة ومدينة القدس زهرة المدائن وجوهرتها عبر العصور.

نشرت في جريدة «النهار» بتاريخ 17-6-2010.

وجريدة «القبس» بتاريخ 14-6-2010.

 وجريدة «الحياة» بتاريخ 19-6-2010.