ماذا يشكل كلامي المتواضع هذا عنك يا صاحب السمو مقارنة بهذا الكم الهائل من المشاعر الجياشة التي يخطونها عنك عباقرة البلاغة في وسائل الإعلام والصحف الكويتية والعالمية.

كل الكلام الجميل قيل عنك وعن مناقبك، وكل الكلام الطيب فيك عن طيبك وتسامحك وكل المديح قيل عن كرم أخلاقك وكرم يدك، الجميع يعرفون نتائج مبادراتك الخيرة التي جلبت الخير والمساندة وأحيت مشاعر رد الجميل عند حاجة بلدك. الجميع يعرف عن حسن وحكمة قيادتك لبلدك في حاضره والأهم في مستقبله.

في حاضره لأنك وفَّرت لهم الحياة الكريمة في ظل الأمن والأمان وقدت سياسة الكويت إلى بر الأمان دائماً حتى في أحلك الظروف وأقسى المحن، وأقول مستقبلاً لأنك كنت تفكر في غدك مثلما تفكر في يومك أشبه بالشخصيات التاريخية في حياة الأمم، وإلا بماذا تفسر أنك كنت صاحب فكرة تأسيس مجلس التعاون الخليجي غير إيمانك بأن الاتحاد قوة وكذلك ما معنى أنك أسست صندوق الأجيال القادمة غير خوفك من غدر الزمن. ما معنى تأسيس الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية غير قناعتك بأن المساهمة في خير الآخرين لها صداها الطيب عند الله والناس، وماذا تعني رغبتك السامية لمنح المرأة الكويتية حقوقها السياسية والاجتماعية غير قراءتك الصائبة في دور المرأة الإيجابي في المجتمع الكويتي وكذلك المجتمع العالمي، خاصة في

 الظروف العالمية السائدة. ماذا يعني تأسيسك لمعهد الكويت للتقدم العلمي غير يقينك بأن العلم والمعرفة هما عماد المجتمعات الراغبة في التقدم والازدهار وان كل هذا وعشرات المبادرات الأخرى للكويت ولبقية الدول الشقيقة والصديقة للكويت تؤكد دون أدنى شك أنك كنت رجل المرحلة الأهم في ازدهار بلدك الكويت وتقدمه. سوف نفتقدك يا راعي التسامح وصاحب فضل التعايش المسالم للأديان باختلاف مذاهبهم. نم قرير العين يا حضرة صاحب السمو أمير البلاد المعظَّم الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح – طيب الله ثراكم ويرحمكم الله بواسع رحمته ويدخلك فسيح جناته. 

نشرت في جريدة «الوطن» الكويتية بتاريخ 21-1-2006.

حزنت كما حزن الجميع لوفاة المغفور له صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت وحاكمها في 15 يناير 2006 عن عمر يناهز 79 عاماً. نعم حزنَّا جميعاً لفقداننا قائداً أميراً بكل ما تحتويه الكلمة من معان سامية قلَّ من يستطيع تسطيرها.

 الفقيد قبل أن يكون حاكماً لبلد له صيته وشهرته العالميَّة في التقدم والتطور الإنساني السابق لمحيطه، كان انساناً كريماً عطوفاً وحاملاً بجدارة لقب «بابا جابر» بشكل عفوي من قِبل المقيمين على أرض الكويت من جميع الجنسيات والقوميات قبل أهلها، لما يتمتَّع به من العطف نحو الجميع وشموله كل فرد من أفراد شعبه بالمحبة والجود حيث كان يوزِّع هباته الرسميَّة والشخصيَّة في جميع المناسبات التي يشعر سموه رحمه الله بأن الشعب بحاجة إليها، أو كلما وقع أي فرد من أبناء شعبه في أزمة وطلب منه يد العون والمساعدة. إن سموه إنسان سامٍ يتمتَّع بأرقى المشاعر الإنسانية الرقيقة، بجانب قدراته الكبيرة على الحكم العادل والحازم. لقد حكم بلده في السلم وكذلك في أحلك الظروف، إبان  الغزو الصدامي الغاشم للكويت في 2 أغسطس عام 1990 حيث قاد باقتدار مع المغفور له ولي العهد الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح ومع بقية الشيوخ الأجلاَّء من أسرة آل صباح الكرام والوزراء وكبار المسؤولين الحرب الدبلوماسيَّة الضروس في جميع المحافل الدوليَّة من أصغر بلد في جزر السوزيلاند أو دولة صغيرة في مجاهل أفريقيا، مروراً بالدول الكبيرة ولغاية منابر مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة حيث تكلَّم دفاعاً عن الحق المسلوب لبلده وانفعل أثناء خطابه وبكى سموَّه وأبكى أعضاء هيئة الأمم المتحدة المجتمعين، وأبكى العالم معه لما كان يعبِّر به من مشاعر وأحاسيس صادقة مؤلمة لاغتصاب بلده، حيث لم تستطع أقسى القلوب إلا أن تحنو عليه وتتعاطف معه.

كان سموّه دائم الابتسامة وطبيعي المظهر وكنا نسعد بمشاهدته في التلفزيون ووسائل الإعلام عند اطلالته مستقبِلاً أو مودِّعاً ضيوف الكويت، وكذلك في اطلالته في المناسبات المعتادة كالعشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وفي طلته السنوية بمناسبة مكافأة حافظي القرآن الكريم وبمناسبة العيد الوطني، حيث يمنح المكرمة الأميرية السنوية المعتادة، أو في مناسبات انعقاد جلسات افتتاح الدورات التشريعيَّة في مجلس الأمة الكويتي. لُقِّب سموّه إضافة إلى لقب «بابا جابر» بلقب «أمير القلوب»، لما كان يتمتَّع به من محبة وحنان من أفراد شعبه ومن جميع المقيمين على أرض الكويت المعطاء، وكان كثيراً ما يعفو عن السجناء كل عام، ليمنحهم مرة أخرى فرصة للحياة الكريمة.

وكان سخياً، فالمبالغ التي وهبها للشعوب الفقيرة أو ألغى ديون دولها كانت كبيرة جداً وترفع جبين أي مواطن كويتي بالفخر أينما وجد، كما كان  سموه كريماً أيضاً في تقديماته للمنح بواسطة الصندوق الكويتي للتنمية الاجتماعية العربية، حيث استفادت  من تلك المنح والقروض الميسرة عشرات الدول ومئات الملايين من سكانها.

مناقب وإنجازات صاحب السمو كانت كثيرة في الكويت، وأينما تلتفت ترى صرحاً علمياً أو مقراً أو منظمةً أو مرفقاً مهماً من مرافق البلد، كان لصاحب السمو سبق المبادرة بفكرة إنشائه ودعمه المستمر له. لم تكن إنجازات سمو الأمير الراحل  محصورة ببلده الكويت فقط، بل كانت له الأيادي البيضاء في جميع دول الخليج من مساهمات ومساعدات أو مبادرات ذات الطابع الإنساني أو العلمي أو التثقيفي، وكذلك مساهمات فعَّالة ومفيدة في بقية الدول العربية من المحيط إلى الخليج.

رحمكم الله يا صاحب السمو وأسكن روحكم الجنَّة.