رداً على أردوغان: المطلوب أكثر من بضع كلمات تعزية 

«نحن الآن نتمنى بأن الارمن الذين فقدوا حياتهم في بدايات القرن العشرين أن يرقدوا في سلام وإننا نتقدم بتعازينا لأحفادهم «

Photo credit AGOS

 ضجت وسائل الأعلام التركية والأرمنية وبعض الوسائل الاعلام العالمية المعنية كما كثرت التصريحات العديدة من المسؤولين الكبارفي عدة دول  في الموضوع ذاته وذلك عن البيان الذي صدر مؤخراً في الموقع الرسمي لرئاسة الوزارة التركية أي موقع رئيس وزراء تركيا السيد رجب طيب أردوغان وذلك بمناسبة إحياء ذكرى الظروف الأليمة التي مرت بها شعوب العالم جراء الحرب العالمية الأولى والضحايا التي قدمتها الكثير من شعوب العالم بما فيها المواطنين العثمانيين وخص البيان بالذكر ضحايا المواطنيين الارمن وترجى من الله في  ان يريح أرواحهم وقدم أيضاً العزاء لاحفاد الضحايا هذا طبعاً بعد أن مر في بيانه على تكرار المواقف التركية المعروفة منذ 50 سنة وأكثر عن ضرورة طي صفحة أحداث الماضي والتطلع قدماً لفتح صفحة جديدة للعلاقات الخ ،،

كما قلنا صدر البيان في صفحة رئيس الوزراء وبتسع لغات منها الارمنية الشرقية والارمنية العربية بجانب اللغة التركية واللغات الرسمية الأخرى وكان تعقيب وزير الخارجية التركية السيد داود اوغلو سريعا حيث اثنى على البيان  وصرح لوسائل الأعلام بأن هذا هو نداء للارمن وأضاف  قائلاً نتمنى الرد من الجانب الاخر (بمعنى ان الكرة أصبحت في ملعبكم الان أو ربما بقصد ردوا التحية باحسن منها ).

سأمر باختصار عن البيان نفسه الذي قرأته في صحيفة مارمارا الصادرة باللغة الارمنية والتركية في اسطنبول وعن فحواه الذي لايمكن وصفه الا انه تم صياغته بعناية فائقة بحيث أحتوي على اكبر قدر ممكن من الكلام البراق والعقلاني النظري وكذلك أحتوى الاراء التحليلية لاحداث الماضي وبعد الإيجابيات عن ما يمكن عمله معاً في المستقبل كما أحتوي البيان عن الاستعداد للسماح بإحياء ذكرى الضحايا (المجازر) فوق الأراضي التركية  أيضا كما يحدث حول العالم في 24 ابريل من كل عام وهناك بعد الأفكار التفاؤلية عن مستقبل تركيا وعلاقتها مع جيرانها الخ ، 

 في الفقرة قبل الاخيرة يتحدث البيان عن ضرورة مكاشفة الشعوب الحضارية عن ماضيهم وعن خسائرهم بالتفاهم والنضج ويضيف اننا الان نتمنى لهؤلاء الارمن الذين خسروا حياتهم في ظروف بداية القرن العشرين و أن يرقدوا في سلام ونعرب عن عزائنا لاحفاد هؤلاء .اما في الفقرة الاخيرة يضم البيان على نفس المنوال طلب الرحمة لارواح جميع الضحايا من الاديان الاخرى والجنسيات المختلفة الذين خسروا حياتهم في ظروف مشابه .

لن أعلق على بيان الرئيس لضيق المساحة ماعدا الفقرة الاخيرة أعلاه وهي الاهم حيث أنه يساوي ظروف مقتل الأرمن وعددهم 1.5 مليون مع ظروف مقتل بقية الرعايا العثمانيين وهم في الحقيقة  ليسوا كذلك إطلاقاُ لان مقتل الرعايا الأخرين كان بسبب الحرب وظروفها وعلى الجبهات التركية حصراً هذه الحرب التي لم تفرض عليهم بل اعلنوها وبدأوها هم بأنفسهم  من البحر الأسود أما مقتل الأرمن في تلك الفترة كان في صحاري الاناضول والصحراء السورية نتيجة  لبطش القوات التركية ومن الجوع والعطش أثناء تهجيرهم القصري بحجج واهية  ليس الا.

انني هنا وهذا غاية المقالة أرغب بمخاطبة معالي وزير الخارجية التركي السيد داود اوغلو عن توقعاته من الارمن على رد الجميل المذكور واقول عن اي حسنة تتكلم يا معالي الوزير وفي بيانكم الذي صدرعلى صفحة كاملة لايحتوي الا على جملتين عمليتين مفيدتين فقط ذو معنى لنا وهم طلب الرحمة لارواح الموتى وعزاء أحفادهم لا اكثر وهذا مانشكركم عليه شكرً جزيلاً ونرد ونقول تقبل الله عزاكم واننا نعتبر هذه لفتة كريمة منكم ، أما اسفكم عن الذين خسروا حياتهم في ظروف بداية القرن فهذا اسف غير مقبول لأنه جاء في سياق غير صحيح وغير دقيق إطلاقاً ومضلل أيضاً كأنه كلمة حق يراد بها الباطل. مع احترامنا لذكرى كل الضحايا مهما كان انتمائهم .حيث كان من الاصح أن تكون تعبيروصف ظروف  مقتل ضحايا الأرمن مختلفاً ومؤسفاً أكثر من غيره  .

نحن الارمن ليس من شيمتنا الجحد أو نكران الجميل كما إننا مستعدون دائما يالتقدم خطوة أو خطوات مثل مايتقدم من في المقابل ويدنا ممدوة للقبول والاتفاق على اي حل يرد لنا كرامتنا وأملاكنا وينتهي بشكل يريح أرواح شهدائنا ولكننا لسنا متحمسين لإعطاء أي طرف أي مكسب مادي أومعنوي أكثر مما يستحقه  ولنا تجارب قديمة وحديثة معكم انتم حتما تذكرونها .

   اليوم ونحن على أعتاب الذكرى المئوية لشهداء الارمن المليون والنصف في 24 ابريل 2015 نتوقع من فخامة رئيس وزراء تركيا السيد رجب طيب اردوغان وهو الرجل الحازم القوي في تاريخ الحكومات التركية في التاريخ الحديث ان يتخذ موقفاً أكثر شهامة ونبلاً… قولاً وفعلاً  ويعلن بصريح العبارة ان ماجرى للارمن في نهايات حكم السلطان العثماني عبد الحميد كان ابادة عرقية يعتذر عنها احفاده اليوم وانهم بهذا يكونون قد اوفوا بالتزامهم المعنوي والانساني بإتجاه شعوب العالم المتحضرة وأحفاد الارمن وان يقبلوا (اي الحكومة التركية ) بشجاعة فكرة إعادة أو تعويض الارمن عن ممتلكاتهم المادية بجانب المعنوية أيضاً  متطلعا الي ما في صالح الشعبيين الجارين منذ قرون وبدء الحوار المتمدن .

أما اذا كانت  توقعاتكم المادية والمعنوية من الارمن نظير بياناتكم هذه اكثر ما ذكرنا اعلاه فأسمحلي يا معالي الوزير أن اقول باننا لسنا بهذه الدرجة من السذاجة لنقبل هكذه مبادرة رمزية بسيطة كخطوة نبيلة جبارة مدوية كما يراد لها ان تساق عالمياً مقابل تنازلنا وتغاضينا عن الاضرار المادية والمعنوية الهائلة التي تكبدناها منكم طوال 8 قرون وختمتموها بتهجير وإفناء 1.5 مليون انسان واستوليتوا على املاكه وقضيتوا على حضارته الممتدة الآف السنين والان قل لي يا معالي الوزير ماذا تعني مثلاً بان تتكرم وتمد يدك لشخص بإصبع مبلل ليطفي ظمأه وأنت عطشته و جوعته دهراً أو في أحسن الأحوال ان تسقيه ماء في قشرة نصف جوز مقابل أن يغفرلك بعد كل ما عملته معه .أهل يرضيك ؟

    نشرت في جريدة « أغوس» التركية بتاريخ 07.08.2014 تحت عنوان« نتوقع أكثر من التعازي من الرئيس الجديد».

http://www.agos.com.tr/tr/yazi/7738/yeni-cumhurbaskanindan-taziyeden-fazlasini-bekliyoruz