سنة2011 هي سنة ذهبية بامتياز، تسر القلب والفؤاد لوجود أكثر من مناسبة سعيدة متزامنة. أولها الذكرى الخمسين لاستقلال دولة الكويت (1961) والذكرى العشرين للتحرير (1991) ومرور خمسة أعوام ميمونة على تولي صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم (2006)، حيث سيجرى تدشين الاحتفالات الوطنية بحضور زعماء العالم.

أبراج الكويت

يا لها من أحداث عزيزة على قلبي، شكَّلت عندي الوعي الحضاري والإنساني أنا الأرمني المقيم فأعطتني معظم تجلياتي الشخصية مثلما أعطيتها كل ما لدي من خبرات مهنية ومساهمات إجتماعية بإخلاص وتفان. كما منحتني الأرضية الصلبة لتكوين ذاتي ونجاحي منذ أن حملت طموحاتي وجئت إلى الكويت قبل عقود وواكبت الكثير من الأحداث المحلية والعالمية مع عائلتي الصغيرة من الأهل والأصدقاء التي نشأت وتشكلت معي في كنف هذا البلد المعطاء.

   ولاحظت كصديق كيف نمت الكويت وتطورت، خاصةً في العقدين الأخيرين فاستطاعت تجاوز الكثير من العقبات والمحن، وفي مقدمتها أزمة وجودها أثناء الاحتلال العراقي الغاشم لبلدهم. فبتوحد الكويتيين وتماسكهم  وإخلاصهم قاوموا وتمكنوا من تحرير وإعادة بلادهم إلى الواجهة ثانية، بمساهمة فاعلة لتحركات ودبلوماسية سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، منذ أن كان وزيراً للخارجية ورئيساً للوزراء ومن ثم أميراً في 29 يناير عام 2006 ، فبقيادته الواعية والحكيمة عزز مكانة بلاده وتمكن من ترسخيها في محيط  ملتبس، وسط تحولات عالمية خطيرة، آخرها الأزمة المالية العالمية التي عبرتها الكويت بأمان.

فيسعدنا  كثيراً أنا وأهلي أن نكون حاضرين الأعياد الوطنية الكويتية مشاركين أصدقائنا الكويتيين أفراحهم التاريخية التي تقام وسط حضور دولي كبير واستثنائي، لتأريخ هذه اللحظات العظيمة للبلاد التي استطاعت أن تضمن لنفسها مكانة خاصة في المحيطين الإقليمي والدولي. فتسجل حضوراً زاهياً مرموقاً على جميع الأصعدة ، سيما في الميادين الثقافية والإقتصادية والسياسية وتواجداً إيجابياً فاعلاً في الأحداث العالمية. وما يزيد بهجتي أن يصادف هذا العام أيضاً الذكرى العشرين لاستقلال أرمينيا في سبتمبر 1991.

  في بعض تجلياتها، يمكن لأرمينيا أرض أجدادي أن تكون صنواً للكويت، فهي دولة صغيرة أيضاً لكنها فريدة وتتميَّز بالعراقة وأصالة شعبها وتمسكه بمكارم الأخلاق وارتباطه الوثيق بجذوره واعتزازه بتاريخه، ولعل هذا ما يجعل الأرمن يكنون مودة خاصة وتقديراً عظيماً للشعب الكويتي الأصيل.

    ينظر الكويتيون بأمل وتفاؤل إلى مستقبل مشرق مزدهر، يتمتعون فيه بظروف معيشية رغدة كريمة وأجواء ديمقراطية راسخة وحرية تعبير، وهذا في حدود آمنة مستقرة لا تهددها أي أخطار أو قلاقل كي تستمر الكويت في تقديم مساهماتها حضارياً وسياسياً وثقافياً.

    وتتطلع الجالية الأرمنية بجميع شرائحها إلى مستقبل زاهر في دولة الكويت حيث تعمل وتقدم مساهمتها الإيجابية الشريفة وتتمتع بالعيش الكريم إلى جانب حرية العبادة والاعتقاد التي توفرها الكويت والتسهيلات الممنوحة المتمثلة في الكنيسة والمدرسة الأرمنية اللتين تعملان منذ خمسين عاماً أي منذ تاريخ استقلال الكويت.

نعم، كذا يتشكل تاريخ الأمم. بالعزيمة والإصرار والتحدي، عبر الأيام والسنوات، فتغدو المناسبات الوطنية تواريخ رمزية، تحمل في جوهرها تجليات الشجاعة والنجاح، حيث تسجل إنجازات وتضحيات الأمم وتتحوَّل مع مرور الزمن إلى نبراس للشعوب والأجيال المقبلة، تهتدي بها وتستمد منها صيرورتها وكينونتها للمضي في طريق المجد أبداً.

طوبى لكل من صنعوا هذه الأمجاد.                                                                        

   نشرت في جريدة النهار 21-2-2011  

   وفي جريدة القبس 23-2-2011

ما كنت أستطيع أن أترك هذه المناسبة العزيزة تمر دون أن أعبِّر من خلالها عن مدى محبتي للكويت وتقديري واحترامي لشعبها الذي أعيش بينهم منذ أربعين سنة، نعم أربعين سنة بالكامل أي منذ شهر أكتوبر1971 يوم غادرت حلب ودخلت الكويت عن طريق البصرة. وصلت الكويت لأول مرة بكرت زيارة أرسله أخي أكوب من الكويت حيث كان قد سبقني إليها قبل بضع سنوات. وأتـذكَّر اليوم الذي وصلت فيه الكويت عن طريق البر، وبدأت رحلة البحث عن عمل فلم أطل البحث كثيراً فوجدت أول عمل لي في الشويخ وعملت هنالك لمدة سنة ومن ثم انتقلت إلى منطقة الوفرة الحدودية لعمل مشابه لعملي السابق ولكن بأجر أعلى ومن ثم  تركته مرة أخرى لأعود إلى الشويخ لكي أفتتح ورشتي الخاصة مشاركاً مديري في عملي بالوفرة فازدهرت ورشتي بحمد الله مع الأيام وأصبحت شركة ذات مسؤولية محدودة مع شريك كويتي كريم الأخلاق وحسن التعامل فكبرت شركتنا بعشرات المرات منذ ذلك الحين وأصبح لنا مصانع ومخازن وفروع عديدة في مناطق الكويت، كما لدينا الآن المئات من المهندسين والموظفين والعمال  في فروع الشركة. كما أنني طوال هذه الفترة لم أواجه أي صعوبات عويصه تذكر بل على العكس كانت حياتي هادئة ما عدا مشاكل العمل اليومية التي لا تنتهي.

أما ما تبقى فكانت حياة رفاهية حيث تزوجت وأنجبت 4 أولاد جميعهم أكملوا دراستهم  للمستوى الجامعي وأوصلتهم بر الأمان لـتأمين مستقبلهم. فكان فضل الكويت عليَّ وعلى عائلتي كبيراً، كما  فضل الكويت على الجالية الأرمنية أكبر حيث لهم مدرسة يدرِّسون فيها أولادهم لغتهم الأم وآدابهم ولهم كنيسة يمارسون فيها شعائرهم وصلواتهم  كل اسبوع وفي كافة المناسبات، وهذه ميزة وجدت في الكويت قبل بقية دول الخليج.

أعود إلى أسباب كتابة المقالة لأذكِّر بأن تلك المقالة جاءت كأبسط تعبير على ما كان يكنُّه فؤادي تجاه الكويت.

واغتنم الفرصة لتهنئة بلد أجدادي أرمينيا بمناسبة استقلالها العشرين وكذلك المدرسة الأرمنيَّة بمناسبة تأسيسها الخمسين.