فظيعة هي الأحداث والتطورات التي تحدث في الشرق الأوسط العربي، وأليمة تلك المشاهد التي نشاهدها هذه الأيام، ماذا جرى للعرب ؟ ماذا جرى لعقلهم، فسد أم فقد؟ أين هي الشهامة ؟ هل انكسرت وتبعثرت أجزاؤها أم ذهبت تبحث عن أختها النخوة ولم تعد؟ ما الذي يجري على أرض فلسطين الآن وهذا غيض من فيض، ما هذه المشاهد التي نشاهدها على شاشات المحطات وعلى صفحات الجرائد من صور عنف ووحشية يمارسها الأخ على أخيه والجار على جاره ؟ ما هذه المناظر التي يقصد بها إذلال الأخ الفلسطيني لأخيه وإهانته على مرأى من وسائل الإعلام ! من يؤذي من ومن يهين من؟ هل المصالح والعصبية الحزبية أو العقائدية تغلبت على العقل الرزين والمنطق السليم والمصلحة الوطنية ؟ ما الذي يجري في قطاع غزة وربما قريباً (لا سمح الله) في الضفة الغربية كما يتوقعها المراقبون من وحشية والخروج على القانون والعقلانية.

الواحد منا والمهتم في شؤون المنطقة وأحداثها لا يستطيع تفسير سبب وأسلوب استيلاء حركة «حماس» على هيئات السلطة الفلسطينية ومقارها وإعلان الانتصار بهذا الفخر والزهو، لم ينقصه إلا اعلان البيان رقم (1) صادر من !0000المعتاد في الانقلابات. والمتابع لا يستطيع تخيل الحكمة والمغزى من ذلك، هل هو تخويف اسرائيل مثلاً أو دولة أو جهة أخرى بعينها أم ماذا ؟

   مشمئزة وكريهة كانت صورة ذلك المقاتل الملثم في الصفحة الأولى للجريدة الذي كان جالساً على كرسي رئيس السلطة الفلسطينية في قطاع غزة كالطاووس وبيده الرشاش منتصباً، وكأنه يفتخر بشرف الجالس الأول على كرسي حكم المغتصب دافيد بن جوريون (مؤسس اسرائيل وأول رئيس وزراء لها) بعد تحريره (صاحب الصورة) للقدس واستقلال فلسطين.

 الشجاعة بدون عقل عقيمة مثلها مثل الحماسة الجوفاء، الكل يرغب في أن يعرف ماذا سوف تعمل «حماس» !

(لو افترضنا جدلاً حصل) عند استيلائها على كامل السلطة في فلسطين، كيف ستدير الدولة ونصف شعبها أصبح من خصومها وبغياب خطة مقنعة سمعناها منها ؟ من أين ستوفر إيرادات دخلها، وهناك خطر على التحويلات المالية الخارجية وحتى الداخلية منها ؟ ومن أين يأتي الدعم السياسي والدبلوماسي وغالبية الدول العربية والأجنبية لا تعترف بها وتعلن مقاطعتها  لها بصراحة ؟ من أين تأتي بمقومات العيش اليومي وهي محاصرة من أربع جهات ؟ والأهم هل هذا هو ما سوف يؤدي إلى التحرير والاستقلال أو إقامة دولة قابلة للحياة ؟ إلى أين وكيف يقاد هذا الشعب المسكين ؟ من أين ومتى سيظهر النور في نهاية النفق يا ترى ؟

بعد ستين سنة من النضال وهذا الكم الهائل من التضحيات والحرمان والعذاب والتشرد، كيف يعقل أن يكون النضج الوطني بهذه البدائية ؟ لو كان المعدن من زجاج خام لتحول إلى الماس بعد كل هذا الضغط والشدة، وشعب فلسطين لم يكن في أي وقت من الأوقات معدناً هشاً، بل شعب عاقل واعٍ، كيف أصبح قابلاً للكسر وبهذه الهشاشة،  ولم يتحول إلى فص ماس مصقول يجد مكانه اللائق في فسيفساء الشعوب ؟!

نظل نلوم العدو الصهيوني على كل ما يجري لنا من مصائب، وهو فعلاً أصل المصائب لا شك ولكن لا ترفع المصائب عن الشعوب بهذا الشكل والمفهومية، بل بالاستعداد والمجابهة المناسبة في كل زمان ومكان وبالوحدة الوطنية كأضعف الإيمان، فبدلاً من توزيع الأدوار السياسية والدبلوماسية  بين السلطة الفلسطينية الرسمية المنفتحة على العالم  واحدى القوى المعارضة المتشددة (وفي هذه الحالة حركة «حماس» مثلاً) كلعبة دبلوماسية متوازنة  على أوتار الشد والإرخاء تماشياً مع أعراف السياسة العالمية في هذا الحقل والذي كان لا بد أن يؤتي ثماره عاجلاً أو آجلاً، نرى الاخوان، ومع الأسف، يذبحون بعضهم بدون رحمة وبدون أدنى حساب، معرضين نفسهم وأصدقائهم لأقصى درجات الشماتة والحرج.

أنا لا أعرف بمن سوف يشد ظهره المنتصر غداً ؟ الله يستر.   

                 نشرت في جريدة «القبس» بتاريخ 22/06/2007 تحت عنوان  «فلسطين…

 ما الذي يحصل لك» 

وجريدة «النهار» بتاريخ 25/06/2007 تحت عنوان «يا فلسطين ماذا يحصل فيك؟»